كنت
أستعد كعادتي للنوم مع بداية خطبة الجمعة، فالمواضيع معاده وتعطي الفرصة
دائماً لتسلل النعاس، انصرفت حينها إلى التأمل في الأمور التي حدثت خلال
الأسابيع الماضية فقد ذُهل الناس في أربعة أرجاء المعمورة لمشاهد وصور
تقدم الدليل الدامغ لكل من يعوزه دليل على أن التخلف درجات وفي أدني تلك
الدرجات يقبع ملك ملوك أفريقيا !!
بدايةً علي أن أعترف بأني
لست ممن يفهمون في شؤون السياسة، لذا أخرجتها بكل سخونتها من مجال اهتمامي
وفضلت الهجرة إلى مرافئ الصمت فهناك أجد الراحة دائماً لحلقومي، لكن صور
الجرائم التي شاهدتها كانت من النوع الذي يساعد الغدة الدمعية على التفجر
مع أن تلك الصور نفسها لم تحرك شعره واحده من رأس الزعيم المشغول بالحفاظ
على المنصب !!
أصدر القائد العجوز (( وفي
سن لا يطيش فيها الناس)) أوامره بسحق التظاهرات، لتصبح القضية شخصية ترتب
عليها ( أن يكون أو لا يكون) فأمر الجميع و بعنتريات كلامية وبمنطقه
البدائي القديم بأن (( عليكم الخروج الليلة ابتداء من بكره )) وضرب
الطاولة بقبضة يمناه –سلمت يمناه- وطوح بيسراه - سلمت يسراه- ، لتبدأ
الرحلة الميمونة التي استمرت لأكثر من أربعين عاماً بالانهيار !!
صاحب المزاج المريض شخص ذو
موهبة –يختلف فيها التقدير- ففيه شي من عنف المقاتل ورقة الفنان، مقاتل
أقام عرشه على تل من الجماجم وفنان امتلك مستودعات مليئة بجميع ابتكارات
الموت، مقاتل أحب الكرسي الذي تسلط على جميع المرافق العامة في كيانه،
وفنان أحب الخطب المنبرية كأنه رسول قوم معذبين في الأرض، لذا لا تستغربوا
من وجود شخص مثله في عصر لا يحتمل أمثاله !!
التاريخ يحفل بالمرضى في
كثير من الأحيان ومن تلفت إلى ما يحصل في ليبيا لن تكفه دموع الخنساء أو
دموع المذيعات اللواتي ظهرن بعيون أذبلها البكاء، إخواننا هناك في مأزق
فهم بين مطرقة الرحيل إلى القبور المزدحمة بالأحياء وسندان الشوارع
المتخمة بالأموات !!
أيقظني من غفوتي صوت الخطيب وهو يدعو ويبكي، فأمنت على دعائه ولكن لم أبك لبكائه !!